الاذكار

اذكـآر وأدعيـة   دعاء من أصابته مصيبة   .. ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول كما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها (رواه مسلم632/2)   دعاء الهم والحزن    .. ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً رواه أحمد وصححها لألباني.لكلم الطيب ص74 اللهم إني أعوذ بك من الهم والخزن ، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء   دعاء الغضب    .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم رواة مسلم .2015/4   دعاء الكرب    .. لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لاإله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم متفق عليه قال صلى الله عليه وسلم دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً صحيح . صحيح سنن ابن ماجه(959/3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له . صحيح .صحيح الترمذي 168/3   دعاء الفزع    .. لا إله إلا الله متفق عليه   ما يقول ويفعل من أذنب ذنباً    .. ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غُفر له صحيح صحيح الجامع 173/5   من استصعب عليه أمر    .. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً رواة ابن السني وصححه الحافظ . الأذكار للنووي ص 106   ما يقول ويفعل من أتاه أمر يسره أو يكرهه    .. كان رسول الله عليه وسلم إذا أتاه أمر ه قال :الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و إذا أتاه أمر يكرهه قال : الحمد الله على كل حال صحيح صحيح الجامع 201/4 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو يُسر به خر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى حسن . صحيح ابن ماجه 233/1)   مايقول عند التعجب والأمر السار    .. سبحان الله متفق عليه الله أكبر البخاري الفتح441/8   في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين    .. إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ، فإن العين حق صحيح. صحيح الجامع 212/1.سنن أبي داود286/1 . اللهم اكفنيهم بما شئت رواه مسلم 2300/4 حاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم رواه مسلم 1363/3   دعاء صلاة الاستخارة    .. قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمُنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أ ستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجلة و اجله - فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجله و أجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به رواه البخاري146/8   كفارة المجلس    .. من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك . صحيح. صحيح الترمذي 153/3   دعاء القنوت    .. اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي و لا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إياك نعبد ، و لك نُصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحقدُ ، نرجُو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكافرين ملحق ، اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونؤمن بك ونخضع لك ، ونخلع من يكفرك . وهذا موقف على عمر رضي الله عنه . إسناد صحيح . الأوراد171/2-428   مايقال للمتزوج بعد عقد النكاح    .. بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير صحيح. صحيح سنن أبي داود 400/2 اللهم بارك فيهما وبارك لهما في أبنائهما رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني. آداب الزفاف ص77) على الخير والبركة وعلى خير طائر رواه البخاري 36/7 ( طائر : أي على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه) ما يقول ويفعل المتزوج إذا دخلت على زوجته ليله الزفاف يأخذ بناصيتها ويقول : اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جلبت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جُلبت عليه حسن . صحيح ابن ماجه 324/1   الدعاء قبل الجماع    .. لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً متفق عليه   الدعاء للمولود عند تحنيكه    .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يؤتي بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم صحيح . صحيح سنن أبي داود 961/3) (التحنيك : أن تمضغ التمر حتى يلين ، ثم تدلكه بحنك الصبي)   ما يعوذ به الأولاد    .. أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامه ، وكل عينِ لامه رواه البخاري الفتح 408/6   من أحس وجعاً في جسده    .. ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ، ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقُدرته من شر ما أجد وأحاذر رواه مسلم1728/4   مايقال عند زيارة المريض ومايقرأ عليه لرقيته    .. لابأس طهور إن شاء الله رواه البخاري 118/4 اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى جنازة صحيح . صحيح سنن أبي داود 600/2 مامن عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول سبعة مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي صحيح . صحيح الترمذي 210/2 بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس ، وعين حاسدة بسم الله أرقيك ، والله يشفيك صحيح . صحيح الترمذي 287/1 أذهب الباس ، رب الناس ، إشف وأنت الشافي لاشفاء إلا شفاء لايُغادر سقماُ رواه البخاري الفتح 131/10   تذكرة في فضل عيادة المريض    .. قال صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة صحيح. صحيح الترمذي 285/1 قيل ما خُرفة الجنة ؟ قال : جناها . وقال صلى الله عليه وسلم :" مامن مُسلم يعود مُسلماً غُدوة ، إلا صل عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُمسي ، وإن عاده عشيةَ إلا صلى عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُصبح وكان له خريف في الجنة صحيح . صحيح الترمذي 286/1   مايقول من يئس من حياته    .. اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق متفق عليه اللهم الرفيق الأعلى رواه مسلم1894/4   كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان    .. لايدعون أحدكم بالموت لضر نزل به ولكن ليقل : اللهم أحيني ماكنت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي متفق عليه   من رأى مببتلى    .. من رأى مُبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يُصبه ذلك البلاًء صحيح. صحيح الترمذي 153/3   تلقين المحتضر    .. قال صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم قول : لاإله إلا الله رواه مسلم 631/2 من كان آخر كلامه لاإله إلا الله دخل الجنة صحيح . صحيح سنن أبي داود 602/2   الدعاء عند إغماض الميت    .. اللهم اغفر ( لفلان) ورفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم 634/2   مايقول من مات له ميت    .. مامن عبد تصيبه مصيبة فيقول :" إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها . إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها رواه مسلم 632/2   الدعاء للميت في الصلاة عليه    .. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله . ووسع مُدخلهُ . واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( ومن عذاب النار ) رواه مسلم 663/2 اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لاتحرمنا أجره ولاتضلنا بعده صحيح. صحيح ابن ماجه 251/1 اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، أنت الغفور الرحيم صحيح . صحيح ابن ماجه 25/1 اللهم عبدك وابن عبدك وابن امتك إحتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان مُحسناً فزده في حسناته ، وإن كان مُسئاً فتجاوز عنه واه الحاكم ووافقه الذهبي . انظر أحكام الجنائز للألباني ص159   وإن كان الميت صبياً    .. اللهم أعذه من عذاب القبر حسن . أحكام الجنائز للألباني ص161. اللهم اجعله فرطاً وسلفاً ، وأجراً موقوف على الحسن - البخاري تعليقاً   عند ادخال الميت القبر    .. بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله ( أو على سُنة رسول الله ) صحيح. صحيح الترمذي 306/1   مايقال بعد الدفن    .. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :" استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل صحيح . صحيح سنن أبي داود 620/2   دعاء زيارة القبور    .. السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا والمستأخرين وإنا ، أن شاء الله بكم للاحقون رواه مسلم 671/2   دعاء التعزية    .. إن لله ماأخذ وله ماأعطى . وكل شئ عنده بأجل مُسمى ...فلتصبر ولتحتسب متفق عليه

27 سبتمبر 2010

هنيئاً لك سلمان ...

هنيئاً لك سلمان بعائض


لم املك سوى ان اقول هنيئاً لك سلمان بعائض

استمتعوا بقراءة هذا المقال الرائع لفضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني ،ودعوني ارى ماتملكونه بعد قرأته.

يوم تكون الصداقة مغنماً
د. عائض القرني

القلب بيت الحب، وقد سكن في قلبي حبّ سلمان، فصاح لسان الحال: (سلمان منّا آل البيت). جئت بقدر على غير موعد سابق لأصادف صديقي بين ملايين الناس، صديق في قلبه إيمان، وفي عينيه إصرار، وفي جبينه شَمَم وهِمم، وعلى تقاسيم وجهه مَضاء وإباء ووفاء
إنه الشاب الذي ظفرت به في الدراسات العليا بالرياض، فكان هو المشار إليه بالبنان عند ورود معضلة علميّة، وكلما دلفت مشكلة أدلى بدلوه، وكلما
حزَبَنا أمرٌ تصدّر الجمع قائلاً: (أنا لها).
إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني /// عُنيتُ فَلَم أَكسَل وَلَم أَتَبَلَّدِ
وكان منتدى لقاء الأصدقاء في بيت صديقنا الكريم الشهم د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري حيث لا ينتهي الإفطار إلا بغداء، ولا يختتم الغداء إلا بعشاء، السخاء يجري في دمه، والمروءة حلّت في روحه، وكان صديقنا سلمان أكبرنا سنّاً.
فإذا رأيته تذكّرت السيف مسلولاً، وقد سألني عنه سائل: كيف وجدته في أحواله من عمل وتوقف، وشدة ورخاء، وجد وهزل، وحِلّ وترحال، فقلت: هو كما قال صديقي في صديقه:
وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى /// وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ
فهو كالسيف إذا غمدته أو سللته أو طرحته أو علّقته، إنه سيفٌ وكفى، أزوره ويزورني والفضل في الحالين له، فإذا جلست معه نسيت الهموم والغموم:
فرؤيتك البشرى ومجلسك المنى /// وأقوالك السلوى وأنت الخلائق
ذاكرة لمّاحة تكاد تضيء بالفهم ولو لم تمسسها نار الدراسة، يغوص على درّ الحكمة في قعر بحر العلم، إذا حضر خطف الأضواء، وقد كنتُ معه في مؤتمرات في السعودية والبحرين ومصر وتركيا والكويت وأمريكا، فكان واسطة العقد، ولؤلؤة التاج رأياً وعلماً وسداداً وهمّة، يطرق عليّ الباب فإذا سمعت صوته أقبلتُ وكلّي شوق، فألقي قميص التّكلّف (لدى الباب إلا لبسة المتفضل)، يقرأ ما بين السطور، وإذا أعارك نظرة تأمّل فاعلم أنه قد أصاب المحزّ، وطبق المفصل، ولو لم تتكلم، تورد العبارة فيكملها، تذكر العنوان فيفهم الرسالة، تشير إلى الباب فيرى من بالدار:
وَقّاد ذهنٍ إذا جالت قريحتهُ /// يَكادُ يُخشى عليه من تلهّبهِ
يبدؤني معتذراً لي إن قصّرت، مسلّياً لي إن حزنت، مذكّراً لي إن وهمت، دائرة معارف متنقلة، وموسوعة علم حاضرة، وإذا سافرت معه فلا عليك إن لم تصحب كتاباً؛ فهو مكتبة في إنسان، وجامعة في كيان: (وفي طلعة البدر ما أغناك عن زحل)، وأشهد ما رأيت أصبر على تحضير الدروس منه، يقرأ عشرات الكتب والرسائل لأجل درس واحد، ويفتّش عن كل جليل ودقيق ويسير، ويسْبر غور المسألة، ويعيد النظر، ويغوص في الأعماق، ويقلّب الفكر، ثم يأتي بما يبهر، ويورد ما يخلب الأذهان، أجاد في حقول المعرفة الثلاث: العلم، والفكر، والثقافة، فأبهج طلبة العلم، وأسعد أهل الفكر، وأتحف روّاد الثقافة.
قالوا: إن سلمان تحوّل وتغيّر، بل تجدّد وتطوّر (لتركبنَّ طبقاً عن طبق) ومن ذا الذي يبقى على حال إلا أهرامات مصر أو معبد كليوبترا أو متحف اللوفر؟ أما الإنسان الفطن الواعي فمن حسن إلى حسن، فكيف إذا كان عالماً متوقِّداً ماهراً لبيباً؟ للشافعي قديم وحديث، ولأحمد أربع روايات، ولعمر: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي.
قالوا عن الزهري: كان لسخائه وهوان الدنيا عنده لا يميّز بين الدرهم والدينار، وكذلك كان أخي سلمان، فالريالات في جيبه ليست له، سواء عنده الريال والألف، لا يعدّها عدّاً، بل ينثرها نثراً، حتى ولو لم يبقَ معه إلا القليل لوهب هذا القليل وهو السعيد المبتهج:
كَرَماً فَلَو حَدَّثتَهُ عَن نَفسِهِ /// بِعَظيمِ ما صَنَعَتْ لَظَنَّكَ كاذِباً
وقد حصل لأخي سلمان فهد العودة من الحظوة والقبول والثناء ما فاق الوصف، ويكفيه هذا سلوةً وعزاءً بعد ثواب الله بإذن الله، حتى لقد وصفه علاّمة الزمان شيخنا ابن باز بأنه علاّمة، والشيخ ابن باز لا يلقي الأوصاف جزافاً.
وصديقنا ذو هِمّة وثّابة، لا تعرف النكوص، فهو (إذا همّ ألقى بين عينيه همّه) يقول له صبره إذا أضناه: لا أستطيع معك صبراً، فيناديه سلمان: (صبراً أيها الصبر). فهو ما بين صلاة مكتوبة، أو درس مشهود، أو محاضرة محبّرة، أو ندوة حافلة، أو تأليف للقلوب، أو تصنيف للكتب:
كَثيرُ سُهادِ العَينِ مِن غَيرِ عِلَّةٍ /// يُؤَرِّقُهُ فيما يُشَرِّفُهُ الفِكرُ
ومعه لسان صادق صارم كذباب السيف، ما مسَّ قطع، يقلّب به حلو الكلام ذات اليمين وذات الشمال، وأصبحت لديّ دُربة مع صديقنا، أعرف متى أنتزع منه الدمعة الساخنة الصادقة، وربما أخفاها من الجلاّس:
كأنَّ رقيباً منك يرعى مسامعي /// وآخر يرعى منطقي وجَناني
وأعرفُ متى أستلُّ منه الضحكة الموحية البريئة التي ينفجر بها في أريحيّة، أجالسه وأسامره، وكلما طال المجلس كان أنصع وأمتع، ثم ينقضي المجلس والشوق ما زال عارماً:
بِكُلٍّ تَدَاوَينَا فَلَم يُشفَ مَا بِنَا /// عَلَى أَنَّ قُربَ الدَّارِ خَيرٌ مِنَ البُعدِ
وصاحبنا يقبل الحق ممن قاله، ويرجع إلى الصواب إذا ظهر له، كفَّ اللسان والقلم، كلما أجلب خصومه عليه زادهم تجاهلاً، وأشبعهم تغافلاً، وملأهم
نسياناً، كما قال أبو الطيب:
أَبدو فَيَسجُدُ مَن بِالسوءِ يَذكُرُني /// وَلا أُعاتِبُهُ صَفحاً وَإِهوانا
له عشرات الكتب في أبواب المعرفة وفنون العلم ودروب الثقافة، وعشرات البرامج الفضائية، ومئات الأشرطة، دلف على الناس ببرنامج (حجر الزاوية)، فأفتى ووعظ، وخطب ونظّر، وحرّر وأجاب، واستدرك واستشهد، وأبدع وأمتع، تنهال عليه الأسئلة من شتى الدول وسائر القارات في العلم الشرعي والتاريخ والسياسية والتربية والفكر، فيأخذ دلو الحكمة، فيستحيل بيده غرباً حتى يصدر الرعاء من مورد عذب مبارك (عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً)، شرح بلوغ المرام، فأورد ما أذهل الفقهاء، وأعجب العلماء، فهم دقيق بكلام رقيق من بحر عميق.
وفسَّر كثيراً من القرآن، فأورد المأثور، ثم حلّل وفصّل، وعلّل ودلّل، قطف أبكار الأفكار بكلمات قضب وهنّ فواصل :
أَمّا المَعاني فَهيَ أَبكارٌ إِذا /// نُصَّت وَلَكِنَّ القَوافي عونُ
يورد الآية ثم يفسّر، والدليل ثم يعلّل، والقول ثم يبيّن، يوافق بفهم، ويخالف بإنصاف، ويردّ بأدب، ويجيب بحكمة، ويدعو برفق.
يلتهم ما أمامه من كتب ونشرات ورسائل وصحف ومجلات، يمرّ بِها سريعاً، ويخطف فحواها خطفاً، ويستولي على معانيها (فإمّا منًّا بعد وإما فداء).
رائد في الأدب شعراً ونثراً قديمه وحديثه، يحفظ القصائد الطوال، وعلى طرف لسانه الشوارد والأمثال والحكم والنكت، فإذا أراد الحديث نظم ما عنده في عقد بهيج، ثم قدّمها للناس (صنوان وغير صنوان يُسقى بماء واحد).
رافقته حضراً وسفراً في ليالي علم وأدب ومذاكرة ومحاورة، وربما زرته فاستقبلني كرمه وبشره وضيافته، يتهلل ويحتفي:
متى تأتِه تعشو إلى ضوء ناره /// تجدْ خيرَ نارٍ عندَها خيرُ موقدِ
دلفتُ إليه في بيته بالرياض في ليلة شاتية، البرد قارس، والمطر منهمر، فحيّاني وأجلسني، وأدار عليّ القهوة العربية، ثم قام فأوقد بنفسه النار على جزل الحطب، فلمّا أجمر أحضر اللحم وأخذ يقلّبه على الجمر، ويرحّب، ثم أخذ يقدّم لي الشواء بيدٍ كريمة مع ما لذَّ من بُر وأرز وسليق، كلما أردت أن أرفع يدي أقسم علي، فشبعت طعاماً لذيذاً، وكرماً حاتميّاً، وحديثاً ماتعاً، ووجهاً طليقاً، وقلباً رفيقاً:
نَدَامايَ عِندَ المُنذِرِ بنِ مُحَرِّقٍ /// أَرَى اليَومَ مِنهُم ظَاهِرَ الأَرضِ مُقفِرا
يُدِيرُ عَلَينا كَأسَهُ وشِواءَه /// مُناصفةً وَالحَضرَمِيَّ المحبَّرا
ذهبت معه إلى مطار الرياض لنسافر معاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واشترطنا (فإن حبسني حابسٌ فمحلّي حيث حبستني)، فاعتذروا منّا لعارض، فعدنا وقد عزم هو ورفيقه الأثير خالد القفاري على اختطافي إلى بريدة دون إذن مسبق منّي، وخشيا أن أمانع، فأوكل لخالد قيادة السيارة، ولما يعلم من حبي للأدب أخذ يناشدني الأشعار والأخبار، ويظهر التعجب، فأخذتني نشوة، واسترسلت في الحديث، وما أفقت إلا وقد جاوز المجمعة، وقربنا من بريدة، واستسلمت للواقع، فضيّفني في بيته ثلاثة أيام كلما رفعت جفنة طعام وضعت أخرى، فبقيت في أكرم نزل وأحسن مقعد:
ذمَّ المنازلَ بعدَ منزلة اللِّوى /// والعيشَ بعدَ أولئكَ الأقوامِ
غاب في دار أبي سفيان فما غاب احتسابه وصبره، وتفجّع بفلذة كبده عبدالرحمن فأرسل منشور الرضى بالقضاء، في أبيات تذوب لوعة وصدقاً، وتفيض إيماناً وتسليماً:
وداعاً حبيبي لا التقاء إلى الحشرِ /// وإن كان في قلبي عليك لظى الجمرِ
صبرت لأني لم أجدْ لي مَخْلصاً /// إليك وما من حيلة لي سوى الصبرِ
ترآك عيني في السرير موشَّحا /// على وجهك المكدوم أوسمة الطهْرِ
براءة عينيك استثارتْ مشاعري /// وفاضتْ بأنهار من الدمع في شعري
ويفارق صديقنا الغربة، ويعود من الغياب، ويلتقي بأمه لقاء هو مقدمة لسفرها الطويل عن الدنيا، فيكون هو وإياها كما قال أبو الطيب:
بِأَبي مَن وَدِدتُهُ فَافتَرَقنا /// وَقَضى اللَهُ بَعدَ ذاكَ اجتِماعا
فَافتَرَقنا حَولاً فَلَمّا اِلتَقَينا /// كانَ تَسليمُهُ عَلَيَّ وَداعا
ثم نظم دمعه الحارّ الصادق في قصيدة آسرة مؤثّرة يقول فيها:
تسهيدُ عينيَ نزرٌ في محبتكم /// قد طال تأريقها شوقاً لمرآكِ
وخفْقُ قلبيَ ما ينفكّ يحفزني /// إليك ما كان خفق القلب لولاكِ
لو اعترضتِ صلاتي لم يكن لَمَما /// فالله أردفَ نجواه بنجواكِ
يا بهجة العمر أنت البدر في أفق /// سبحان مَن بضروب الحسن حلاكِ
شوقي إليك تسابيح وأدعية /// وأدمع هي فيضٌ من عطاياكِ
وهي من أروع وأجمل مراثي الأبناء البررة في الأمّهات البارّات.
وقد تأثرتُ بهذا التّفجّع الصادق، فعبّرتُ عن مشاعري برثاء في والدته ووالدتنا - رحمها الله تعالى- فقلت من قصيدة:
يا أمَّ سلمانَ في الجنّاتِ مأواكِ /// وموكبُ الخُلْد في الرّضوان مسراكِ
وباكرتْكِ أهازيج مرتَّلة /// في حضرة القدس حيّاها وحيّاكِ
إلى البقاء رحلتِ والرضا حُللٌ /// على بساطٍ من التبجيل يلقاكِ
سئمتِ عيشتنا يا أمَّنا فذوتْ /// مِمّا رأتْه من الإفلاس عيناكِ
وسرتِ لم تتركي إرثاً سوى رجلٍ /// مقدم في المعالي جود يُمْناكِ
إنه سلمان العودة العالم والداعية والمفسِّر والمثقّف والأديب، ذهنٌ وقَّاد حين تتوقف الأذهان عن التفكير، وهمّةٌ وثّابة يوم تتلجلج الهمم بأصحابها من ظمأ المشقّة ووعثاء السفر، وطويل الطريق، ورأيٌ نضيج يوم تضلّ الآراء في بيداء مقفرة من التيه.
وصديقنا سلمان إذا داخلته وصاحبته أحببته، فهو يؤْثِرك على نفسه في المغانم، ويتحمّل عنك المغارم، يجوع لتشبع، ويسهر لتنام، ويتعب لترتاح:
أوزع جسمي في جسوم كثيرة /// وأروي قراح الماء والماء باردُ
وإن تعجب فعجيب صبره وجلده في البحث والمحاضرة، والدرس والمناظرة، صحبته في سفرات عديدة فكان يحاضر الناس الساعات الطوال بلا كلل ولا ملل، ثم يجتمع بالناس في جلسات خاصة، فيتحدث بإسهاب، ويجيب بإطناب، متجدّد النشاط، مشبوب الهمّة، قويّ الأداء، ثم أميل معه ميلة واحدة إلى جلسات ومسامرات أخوية خاصة فيطارحنا إلى الهزيع الآخر من الليل وكأنه أول ساعة من الصباح الباكر، أسافر معه الساعات الطويلة من الرياض إلى نيويورك، ومن الخليج إلى المحيط، فكأن الساعات ثوانٍ تمرّ مرَّ البرق الخاطف ما بين بحث علمي، ومطارحة أدبية، وحديث ودّي، ونكتة بريئة، ومَثَل سائر، وقصيدة عامرة، وقصّةٍ موحية، أورد البيت فيكمل القصيدة، أشرع في القصة فيتمّها، أذكر أوّل المثل فيسوقه:
وتراه يصغي للحديث بقلبه /// وبسمعه ولعلّه أدرى به
ولما شرع في برامجه الفضائية وأحسن في إيراده وإصداره تلقّى اتصالين من طرف خادم الحرمين الشريفين يثني ويبارك هذا الطرح الجميل، والقول المسدّد، والنظرة الواسعة الصائبة، وقد تعرّض لنقد، شأن كل نابغ، وسنّة كل لامع، فما شغل نفسه بالردود، ولا قلْبَه بالبغضاء، ولا لسانه بالتّشفّي، بل كان يستغفر لهم، ويَكِل سرائرهم إلى الله، ويعفو ويصفح، بل إن أحدهم لما توفّي اتصل صديقنا بأسرته فواساهم وعزّاهم، وترحَّم على أبيهم، وأخبرهم أنه محلّ والدهم. فهو في شغل شاغل عن الردود والملاسنة والقصاص بالعمل والمثابرة والتحصيل والنفع العام وارتياد حقول المعرفة وميادين الريادة مفيداً ومستفيداً:
تراه من الذّكاء نحيلَ جسمٍ /// عليه من توقّده دليلُ
إذا كان الفتى ضخمَ المعالي /// فليس يضيره الجسمُ النحيلُ
إن الرجل الكبير مَن تكون إنجازاته تنغيصاً لخصومه، ومَن تكون إخفاقاته أول انتصارات أعدائه، ومَن تكون نقائصه كمالات مبغضيه، ومَن اشتغل به الناس قدحاً ومدحاً، وثناءً وهجاءً، فهو عظيم، ويحقّ في أبي معاذ قول الشاعر:
قُل للّذي بِصُروفِ الدَّهر عَيَّرنا /// هَل عانَدَ الدّهرُ إِلا مَن لَهُ خَطَرُ
ففي السَماءِ نُجومٌ لا عِدادَ لَها /// وَلَيسَ يُكسَفُ إِلا الشَمسُ وَالقَمَرُ
ذلكم هو صديقي سلمان الذي عرفتُهُ طيلة خمس وعشرين سنة.

 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مررت من هنا..فكتبت